الأربعاء، 21 يوليو 2021

وأذن في الناس بالحج!!



طالما كان الحج أو الإرتحال الجماعي إلى مكان مقدس بغرض التعبد وتأدية طقوس معينة لتكفير الذنوب أمر يجله الإنسان ويمارسه  منذ أقدم العصور ، حيث امتزجت تلك المناسبك بالنزعة الصوفية في قلوب البشر وحب اظهار الشكر والعرفان للصانع الأعظم ومصدر الخير ومانح النعماء لهذا الكون، فالمتتبع للحضارات والاثار القديمة يرى ان لكل ديانة مناسك للحج إلى أماكن مقدسة اتفقوا عليها وادوها رغم كل الصعوبات. و لا نبالغ ان قلنا ان اغلب بني البشر جبلوا على اداء الحج في اوقات محددة وبكيفيات مختلفة كل حسب دينه.

ولذلك نقول، أن الحج  لم يكن حكراً على اتباع الرسالة المحمدية. ففي الديانة الزرادشتية أو المجوسية (المكوس وتعني الحكماء) والتي ظهرت قبل 600 عام من الميلاد على يد النبي زرادشت في خرسان القديمة خلال عهد الملك شتاسب) كان يحج الزرادشتيون إلى المعبد الأخضر في مدينة يزد الإيرانية مطلع كل صيف وقبل أنهم كانوا يحجون إلى "كعبة زرادشت" (أحدى أبراج الصمت الذي تحولت إلى معبد نار) حيث يضعون الرماد على جباههم كرمز للتواضع والتذلل لرب النار بهرام والتي يبقوها مشتعلة دوما كرمز للخلود.

في الديانة الصابئية،  يتلخص الحج  في مراسم التطهير والتعميد (مصبتا وطماشا)  كما في الارامية وهو طقس غفران الذنوب وتكفير الخطايا واساسه يعتمد على الماء "الطمس: طماشا"، والصباغة "مصبُتا" (الركن الخامس) .  والتعميد (مصباتا) كما ورد عندهم طقس سماوي اقامه اول مرة الملائكة في السماء واولهم جبرائيل (هيبل زيوا) ويقوم مقامه رجل دين (تاغا) يطهر باقي ابناء الديانة من الدنس والخطايا.

أيضا في الديانة اليهودية ، يحج اتباعها إلى القدس ثلاث مرات في العام وتنتهي بثلاثة أعياد هي البيساح والشافوت والسكوت.

وفي البوذية يحج البوذيون إلى أربع مناطق مقدسة. أولها، "لومبيني" في النيبال وهي مسقط رأس النبي أو المعلم الاعظم بوذا. المكان الثاني هو معبد مهابودهي في بود جايا حيث أوحي "للنبي بوذا" أول مرة تحت شجرة تين بعد سنين من التأمل والاعتكاف المكان الثالث في مقاطعة سارناث في الهند، وهو المكان الذي جهر بوذا بدعوته وعلّم فيها اتباعه للمرة الأولى. والمكان الرابع والأخير في مدينة كوسينارا حيث مرقد النبي بوذا أو "النيرفانا الأخيرة" عن عمر ناهز الثمانين عاما في 543 قبل الميلاد.

إن طقوس الحج مميزة جدا في البوذية وتتشابه مع حج المسلمين، حيث يقطع البوذيون مسافات طويلة متعبدين مشياً على الأقدام وبشكل جماعي وأناشيد روحية (دون موسيقى) إلى "بلدة الله آباد" شمالي الهند اكثر من مئة مليون حاج يقوم فيه الحجاج بشعيرة الغطس بهدف التطهر من الذنوب (تشابه التعميد) في ديانة الصابئة، كما نلاحظ إجمالا تلك الأهداف النبيلة لنسك الحج في كل الأديان وتشابه طقوسها بدءا بلباس الحجاج مرورا بالوقوف في مكان مقدس (عرفة/ماثرمي)، ثم النفرة الى مكان المبيت (لاهاري/منى)، وصولا الى النحر وحلاقة شعر الرأس أو الحلق والتحلل

 


نعود لكتاب الله .. ونرتل الآيات التي ذكر فيها الأمر بالحج، فمن كان المخاطب فيه؟ وهل كان الحث إلى الحج موجها للمسلمين أم للمؤمنين أم كان للناس أجمعين؟ وماهي مدته؟ ومتى تؤدى؟


الحج للناس!!

نلاحظ في معرض خطاب الله الموجه لأداء شعيرة ما، ثبات المخاطب إليه لكل شعيرة . فالصلوة مثلا موجه للمؤمنين في جميع الآيات (مثال: ان الصلاة كانت على "المؤمنين"). وكذلك في الصيام أيضا (يا ايها الذين "آمنوا" كتب عليكم الصيام). أما شعيرة  الحج فنلاحظ أن المخاطب بها هم "الناس" وبشكل ثابت وملفت جدا في جميع الآيات !!

سورة التوبة آية (3): ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾.

سورة الحج آية (27): ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.

سورة البقرة آية (189): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.

سورة البقرة آية (199): ﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾.

 فإذا كان المخاطب بشعيرة الحج هم الناس (المسلمين وغيرهم) فكيف نوفق بين ذلك  ومنع غير المسلمين من دخول الحرم في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا﴾. ونقول أن الآية خاصة بمشركي ذلك الوقت لأنهم كانوا يحجون بتكبيرات شركية في قولهم "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إلا شريك لك ملكته وما ملك" . أما النجس في الآية فهو نجس معنوي ويقصد به هنا ما يخرج من افواههم (التكبيرات الشركية) لا من اجسادهم كقوله تعالى ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾. كما أن مفردة (نجس) في قوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ تختلف تماماً عن مفردة (رجس) التي جاءت في الخمر ولحم الخنزير وغيرها وتعني الامر المختلط.

بالتالي لا نجد أي مستند قرآني على منع "الناس" من المشاركة في هذه التظاهرة البشرية الخلابة والسياحة الملهمة للنفس البشري وما منع غير المسلمين من دخول ما يسمى بمنطقة "الحرم" إلا استنادا لرأي فقهي متطرف إفترض أن غير المسلم "مشرك نجس" ونحن الطاهرون الأنقياء!!

 

متى يكون الحج!!

يقول تعالى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، ويتضح من ظاهر الآية الكريمة  أن الحج فرض في أشهر معدودات في حين أن مناسك الحج تؤدى اليوم في أيام معدودات من شهر ذي الحجة (تبدأ في اليوم التاسع وتنتهي في اليوم الثاني عشر من ذو الحجة) فقط. وهذا ما يجعل إدارة الحشود خلال موسم الحج أمر منهك للغاية لتنظيم أداء ملايين الناس لطقوس  محددة في تاريخ بل ووقت معين، وفي أمكنة محددة! وهو ما سيعتبر أمر مستحيل مع تزايد تعداد السكان في العالم وتضييق لا مبرر له سوى أن النبي وأصحابه أدوا هذه المناسك في هذا التاريخ رغم أن الله فرض الحج في أشهر معلومات والجميع يعلم أن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة، و ذي الحجة. لذلك سميت مناسك الحج بأسماء الأماكن وشواهد وليس بتوايخ محددة في شهر ذي الحجة. فسمي  يوم أداء نسك الوقوف بجبل عرفة ب، "يوم عرفة"، وكذلك "النفرة من مزدلفة" والمبيت "بمنى". ولم تذكر تواريخ معينة إطلاقا.

 

إن أزمة الأيدولوجية السلفية أنها تعتبر ما ورثته من أحاديث للرواة وأقوال للمحدثين وفتاوى للفقهاء المتقدمين هي أقوال مقدسة ولا يجوز الإجتهاد عليها وبالتالي تعطيل التطور المعرفي للأسف.

 

دمتم بخير،