الأربعاء، 13 مايو 2015

صحوة الشيطان .. و هولوكوست الجهاد المقدس ..




(صحوة الشيطان و محارق الجهاد المقدسة)

في عام ألفين وواحد ،  عقب غزوة مانهاتن الكبرى التي شكلت منعطفاً تاريخياً ليس لي فقط بل للعالم بأسره. وبعد أن تشربنا التطرف من رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا على أنه الحق الذي لا تمر الشبهة حوله ولا يرتع الخطأ بساحته!! أصبحنا نرى تكالب الأمم من حولنا وتداعيها علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها  !! فأوقدت تلك الأحداث الجسام في صدورنا  حمية الغيرة على "حياض المسلمين" والدفاع عن "بيضة الإسلام"!!  

ومن منطلق أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أقسمت أن لا أعود إلى المنكرات والذنوب ما ظهر منها وما بطن (علماً بأن أكبر منكراتي كان سماع الأغاني وحلق اللحية وإسبال الثوب وشرب المعسل ذو التفاحتين آخر الأسبوع )  ولكن عاهدت الله على تركها جميعاً وأن أحافظ على صلاتي وحجاب أهلي فهو مقياس رجولتي ورمز عفافهن وطهرهن!!

وبعد أن بدأت علامات وأعراض  "المطوعة" تظهر في هيئتي الخارجية كإطلاق اللحية  وشمور الثوب واختفاء العقال وظهور مصطلحات صحوية  مثل (جزاك الله خير , وأثابك الله, و أحسبه والله حسيبه) بدأ الجميع ممن حولي بمباركة هذا التغيير  العظيم وأنهالوا علي بدعواتهم  لي بالثبات وأن يكون قلمي خنجر حق في حلوق العلمانيين والليبراليين والحداثيين الأنجاس.

شعرت حينها أنني بذلك قد حررت لهم الأقصى أو أن صكوك الجنة قد باتت في جيبي أمُنُّ بها على من أشاء. كما أن من المعلوم في ثقافة المجتمع السعودي بالضرورة أنك عندما تصبح "مطوعاً"  فإن عروض الاحتساب تنهال عليك من كل حدب وصوب,  فمن مؤذن  إلى إمام بمسجد الحي ثم داعية في مكتب الجاليات مرورا بالاحتساب في هيئة "المنكر" إلى عضو بمؤسسة خيرية!! وبالطبع هذا لا يتعارض مع كونك معبراً  للرؤى بعد الظهر!! و راقٍ ونافثٍ على رؤوس الحمقى والبسطاء بعد صلاة العصر !! وفاك للعقد والسحر أوقات الفراغ .. و كل ذلك بأجره !! ..طبعاً  كيف  لا .. ونحن القائمون عليها!!


وذات  يوم، جائني صديقي  يقال له ابو حمزة  ليفاتحني في امر الجهاد!!  (أمزح معكم) .. بل في الاحتساب بمؤسسة الحرمين الخيرية كمحتسب بقسم العلاقات العامة وترجمان للشيخ أبو أسامة (مدير المؤسسة) لكوني أفهم لغة العجم من بلاد الفرنجة الإنجليز . حيث أخبرني أيضاً أنه قد علم الشيخ أبو أسامة بالأمر ورحب بهذا الإصطفاء الكبير أيما ترحيب ودعاني  لحضور عشاء هام  في (ثلوثية) المؤسسة.

في واقع الأمر,,  لم أكن متحمساً للإحتساب في مؤسسة الحرمين الخيرية إلا ان إصرار الشيخ على ذلك واتصاله بي جعلني أوافق على مضض . كما انهم أخبروني ان هناك وفد من الشيشان لا يتحدث العربية بطلاقة وقد يحتاجونني للترجمة من الإنجليزية وتلك فرصة عظيمة للإحتساب والتكفير عن معاصي ما مضى من سنين التيه الطويلة.

جاء ذلك اليوم و كان في بداية المرحبين بي الشيخ أبو أسامة حيث عرّف بي وأجلسني إلى جانب رجل يقال له (ابو حفص).  وأبو حفص هذا كان مجاهدا في أفغانستان وبعد إصابة بالغة اجبرته على مصاحبة عكاز له فتحول الرجل إلى مجال الدعوة والتحريض على الجهاد.


قام ابو حفص بالحديث عن نفسه وسرد ذكريات البطولات الملحمية وكرامات الشهداء في أفغانستان والبوسنة والشيشان وكيف أن ملائكة الله كانت تقاتل معهم !!  وكيف كانت ابتسامة الشهيد أول بشائر لقاء حور العين!! وكيف كانت تفوح من أجسادهم رائحة المسك والعنبر!! إلى كل تلك القصص التي سمعناها تكرار منذ حرب أفغانستان حتى باتت أذني تصيغ الخلفية الموسيقية لتلك المشاهد  والتي كانت حاضرة في كل زاوية بتلك الفترة،  فتارة أسمع  دعا الداعي هلم إلى الجهاااااادِ (مد ست حركات)  وتارة يردد ابو عبدالملك في أذني (كتبنا بالدم الغالي بياناً.. نخبر من نحب بما دهانا)   تتداخل مع نشيد (سنخوض معاركنا معهم  وسنمضي جموعا نردعهم)  !! 

أفقت من سكرتي تلك وقاطعته سائلاً عن الحضور ومن منهم ينتسب إلى المؤسسة،  إلا أن الرجل قال لي أنهم لا يعملون بشكل نظامي فالأحتساب بالعمل الخيري لا يحتاج حتى الى هوية مدنية !! حينها أخذ يعرف بهم ويسرد مناقبهم فردا فردا.. فسألته عن سر ذلك فصدمني بأن غالبيتهم كانوا معه في ساحات الجهاد بل  وكانوا أسود معارك ومنهم قادة جهاد في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وأشار الى أحدهم  وكان نحيل الجسد ﻗﺼﻴﺭ ﺍﻟﻘامة ولا يكاد يُبين  !! فقلت متهكماً : "يا رجال ذا بزر .. وش قادة جهاد وش خرابيطه!!" فرمقني بنظرة استنكار واستهجان وأردف قائلاً: (هذا اللي مو عاجبك نحر بيده اثنعشر صربي قدامي وفي يوم واحد بعد إحدى المعارك المباركة في البلقان) !!


في الحقيقة أن الرجل نجح في ارعابي أكثر من ترغيبي .. 
فلم أرى  ولا أتخيل كيف تنحر دجاجة !!  ولكن لحظات الرعب تلك والتي اسقطها في قلبي  قاطعها حضور الوفد الشيشاني.  
كان الشيشانيون بيضاً , جِساماً ، ملتحين، تحسبهم خُشُب مسندة ، ولكن الغريب أنهم كانوا يرتدون ثياباً بيض وأشمغة حمراء !! "فهل ظنوا أن الله سعودي فأرتدوا ذلك الزي اللعين ليقربهم إلى الله زلفى؟ ربما" !!

بعد العَشاء .. انزويت جانباً وقد أصابتني "الكبسة" بسكرة جميلة  جداً أشبه بإغماءة رقيقة لا تريد لها إنقضاءة، جائني أبو حمزة  من أقصى المجلس يسعى ليهمس في اذني (الشيخ يبغاك في المكتب يا حلو) ..
فأجبته مازحاً: ( اتقي الله يا شيخ .. أنا متزوج ) !!
ولكنه نظر إلي نظرة تقدح شرراً فقلت مستدركاً الموقف  (ترى أمزح معك يا ابن الحلال)  !! 
ولكن يبدو أن خفة ظلي تلك لم تعجبه!!  فلقد نسيت ان كثرة الضحك تميت القلب. (حديث ضعيف صححه واحد من الجماعة) !!

وبينما نحن سائرون.. كان مدير مكتب الشيخ يؤكد على أن الشيخ يثق بي ويلمح إلى سرية هذا الاجتماع الذي يضم الوفد الشيشاني !! وما إن ولجنا المكان حتى بدأ الشيخ بشكرهم على المجيء إلى "بلاد الحرمين" (اتذكر كان اسمها السعودية!! وش غيرها؟)
 ثم تمنى لإخواننا المجاهدين في الشيشان بالنصر  والتأزير وطلب مني الترجمة ففعلت ، ثم أجاب الشيخ "مجييف" بالمثل و استمر الاجتماع طبيعيا لنصف ساعة حتى بدأوا بتفصيل البعثات الخيرية والطرود الغذائية  وكان يؤكد الشيخ أنها تفاصيل مهمة!! فمثلاّ.. طلب الوفد ستمائة كيلو من التفاح الأخضر!!  فلم يكن التفاح "الأخضر" غذاء أساسي كالأرز والدقيق والملح والسكر!!  ولا أعلم إلى الآن ما الذي كان يقصده بتحديد لون  التفاح !!  (علمت لاحقاً من مسؤول أمني انها كانت رموز مشفرة!!).

من خلال تجربتي في مؤسسة الحرمين أكاد أجزم أن  جُل مشاريع المؤسسة لا تتواجد إلا في أماكن الصراع بالعالم .. وهذا ما اكتشفته لاحقاً .. فلم يكن الأمر يتعلق بالتبرعات الخيرية للمتضررين من الحروب الأهلية بل كان تدخلاً مباشراً في تلك الحروب ..
حيث كانت المؤسسة تتدخل  في الصراعات الأهلية والإقليمية من خلال تجنيد الشباب السعودي باسم الجهاد المقدس ورميهم في حروب لا آلهة لها . كما  كانت تشكل مؤسسةالحرمين بنكاً للجماعات المسلحة وامراء الحروب من حيث الإمداد بالمال والرجال .


لقد كان إيراد المؤسسة من الزكوات والصدقات يصل في شهر رمضان فقط إلى ملايين الريالات في فرع مدينتنا الصغيرة وعليكم القياس. ووفق تقارير صادرة عن المؤسسة عام 2002 أعلنت عن إنفاق أكثر من 100 مليون ريال في ترميم المساجد والأنشطة الدعوية خارج المملكة فقط!!

ولكن عندما جاءالتوجيه الرسمي بإيقاف نشاط المؤسسة داخلياً وخارجياً وتجميد ارصدتها التي بلغت أكثر من مليار ريال سعودي وفي تلك الأثناء اتصل الشيخ مدير المؤسسة  بأبي حفص الذي كان في الشيشان  ومعه ما لا يقل عن ستة ملايين ريال!!  حيث طلب منه العودة فوراً وتسليم ما لديه من أموال وعدم التصرف بها . ولكن  أبو حفص إدعى صرف الأموال بالرغم أنه لم يمكثف في الشيشان سوى بضعة  اسابيع !! 
وبالفعل ،، لم يُرجع أبو حفص المال !!  
ولم يرجع هو أيضا !! 

لقد تم حل المؤسسة نهائياً في عام  2005م  بقرار من السلطات السعودية بعد اتهام الحكومة الأميركية لرئيسها "المليونير" بتمويل الإرهاب. ولكن المفاجأة  ، وبعد ستة أشهر ، شاهدت أبي حفص في مدينة أخرى بإحدى الإشارات المرورية راكباً سيارة جيب فارهة !! وهو الذي لم يكن يملك سوي "مازدا بوكس مفقعة" .. حمراء  .. صديءٌ لونها ..  تسوء الناظرين !!  حينها .. كنت مكذباً لعيني !! وأقول في نفسي، أيعقل!! أهذا هو أبو حفص !! المجاهد التقي النقي !! الذي كان يحدثني عن  ساحات الوغى وكرامات المجاهدين وبيع الدنيا وشراء الآخرة !! أيعقل!!

ولكن أبو حفص نسي أن يحدثني عن أمر آخر  ..  أنه هو وامثاله  لا يعيشون إلا على دمار الحروب وتجارة الدين والدماء.
أبي حفص كغيره انجرف إلى مستنقع اللعبة السياسية القذرة في عصر "الغفلة" ..
ولكنه أفاق سريعاً وعاد ليمارس نفس الدور على المغفلين من سفهاء الجهاد !!
لا ألوم أبي حفص ولا ابو أسامة ولا غيرهم، بل ألوم من أعطى لهم الحبل على الغارب ليمارسوا دجلهم ويعبثوا بعقول الناشئة ليرموا بأجسادهم الطاهرة  في محارق الجهاد المزعوم  وحرب كافرة لا آلهة لها !

كانت تلك بعض من ذكريات زمن "الغفلة" والتي اطلعتني الأقدار فيها على العالم السفلي لمجتمعنا الملائكي !!

دمتم في ريع الله.

لويس غرم الله

هناك 9 تعليقات:

  1. محظوظ من تجاوز تلك المرحلة دون خسائر..
    هنيئاً لكم بالخلاص .

    ردحذف
  2. بارك الله بك

    سرد جميل بنكهه ساخره

    ردحذف
  3. والله اني مريت بقصه قريبه من قصتك وقصصت ثيابي وتركت الدقن وكثرو اللحى بالقرب مني لدرجة اني عزمت على استراحه واذا فيها شخص عازمينه ويقولون انه جاي من جهاد وهذا اجتماع سري ووالله انه وقت العشاء ناداني الرجل هذا وقال ابيك تجي على نفس الصحن الي انا فيه وابي اسولف معك وانا واحب الشباب التائب والمقبل على الطاعات وخذاني باسلوب انا ارتعبت صراحة واليوم الثاني قالي واحد في نفس الحاره يقول الشباب الي بالاستراحه بالامس خافو منك يتوقعون انك مدزوز عليهم من المباحث ويبغون يقابلونك ليتاكدون ويمكن يراقبونك انا اليوم انا تركتهم ولا عاد قابلتهم بالتدريج رجعت لوضعي الطبيعي واسف على الاطاله

    ردحذف
  4. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  5. في فترة من الزمن خاصة مرحلة المتوسط والثانوي
    كنت مشترك في حلقة بجامع كبير في محافظة المخواة
    وكان فيه طلعات كل أربعاء من العصر حتى الليل
    عموما كانت الطلعات عبارة عن لعب كورة إلى المغرب وبعد المغرب ندخل في ما يشبه المعسكر!
    طبعا كانوا المشايخ اللي معنا في وقتها نصهم راجعين من أفغانستان والنص الثاني يتمنى انه راح
    كان يحصل في هذا المعسكر اتفاقيات احتسابية
    مثلا تكسير أشرطة الأغاني على الناس وتخريب الدشوش وتكسير التلفزيونات و أجهزة الراديو
    واتفاق على عدم ترديد النشيد الوطني في الطابور الصباحي لدرجة ان احدهم من شدة الاحتساب تضارب مع المدير وقال له يا كافر!
    عموما تركتهم مع الوقت وبديت اتابع قناة mbc والحمدلله انتشلتني من هذا المعسكر
    ولكن للأسف الشديد لا يزال هذولا ماسكين مناصب قيادية في المخواة وماسكين الجوامع والخطابة
    وللأسف الشديد تأثيرهم على المخواة كبير جدا لدرجة ان المخواة أصبحت نسخة من بريدة

    ردحذف
    الردود
    1. بالفعل ، كان جهاز التعليم بالكامل مختطفا من قبل المتدينين وللاسف كان على مرئى ومسمع من الدولة وربما عن رضى تام!!
      شكرا لإضافتك

      حذف
  6. حسبنا الله ونعم الوكيل عليهم ، لكن المفزع أن وزارة الداخلية تعلم بذلك وتتركهم على هواهم بل ربما تحميهم لتنفيذ اجنده خاصة داخلية أو خارجية،،، مكة حاميها حراميها خللوا في صدري باقيها

    ردحذف