أكذوبة فتنة البرزخ .. وعذاب القبر !!

انتشر في زمن الصحوة (الغفلة) ارهابا شق كل اركان الطمانينة في نفس كل مؤمن،  و زعزع كل ثقة برحمة من وسعت رحمته كل شيء.  من ذلك الارهاب النفسي ما سمي بعذاب القبر !! وما في ذلك من نعيم و جحيم !!  فأغرقوا في وصف عذاب القبر اكثر من وصف نعيمه المزعوم. لقد تفتقت خيالات (مشائخ القبور) في وصف عذاب القبر وأتوا بما لم يأت به مخرجوا افلام الرعب بهوليوود لا من قبل ولا من بعد.

في البداية .. لنستقرئ سوية ما ذكره أهل السير في كتب التراث لعذاب القبر و فتنة الموت الذي سوف يناله الكافرين وايضا العصاة من المسلمين !!!

يبدأ مسلسل الرعب الذي يشل الأدمغة بنزول ملائكة غلاظ بثياب من نار ينزعون روح الميت انتزاعا شديدا ويقال أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة ومسخوط عليك، فإذا أخرجت روح الميت لعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء !! وغلقت أبواب السماء فليس منها باب إلا يكره أن يدخل بروحه منه !!! فإذا صعد الميت بروحه نبذ من السماء !! ثم يقال: أي رب عبدك فلان لم تقبله سماء ولا أرض !! فيقول الله: أرجعوه .. فأروه ما أعددت له من الشر !!

فترجع روحه الي جسده وهو يرى اهله يهيلون عليه التراب وهم يدفنونه !! فإذا انصرفوا عنه سمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين !! فيأتي ملكان أسودان أزرقان أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، يجران أشعارهما ويحثان القبر بأنيابهما يقال لهما (منكر و نكير)

حتى يقعدان الميت فيقال له: يا هذا، من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري. فيقال: لا دريت !! ثم يأتيه آت قبيح الوجه منتن الريح فيقول: أبشر بسخط من الله وبعذاب أليم مقيم. فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث !! فيقيض له مارد أعمى أصم أبكم معه مرزبة من حديد فيضربه بها فيصير ترابا !! ثم تعود روحه فيضربه بها بين عينيه ضربة يسمعها من على الأرض إلا الثقلان !! وقيل (يسلط عليه 99 تنينا !! هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية تسعة رؤوس يخدشونه ويلحسونه إلى يوم يبعثون

أما المسلم المفرط في بعض صلواته أو زكواته فلن ينجو من بعض هذا الرعب فيضيق عليه في قبره حتى تختنق أضلاعه ويوقد عليه ليتقلب على الجمر ليل نهار بقدر ماله الذي لم ينفق منه أو بقدر الدين الذي عليه !!! ثم يسلط عليه في قبره ثعبان اسمه (الشجاع الأقرع) يضربه على تضييع الصلوات ويستغرق في تعذيبه بمقدار أوقات الصلاة !! وإذا انشقت السماء أتاه ملك وبيده سلسلة ذراعها 70 ذراعا فيعلقها في عنقه ثم يدخلها فيه ويخرجها من دبره وهو ينادي هذا جزاء من يضيع فرائض الله !!!

نكتفي بهذا القدر من مسرحيات التراث المقززة والسيئة الاخراج والموغلة في الوحشية !! البعيدة كل البعد عن رحمة الله وعفوه ..

ونتوقف هنا لنتسائل:

الا يخجلون من عرض هذه المسرحيات الهزلية التي لم ينزل الله بها من سلطان !!

ولماذا كل هذه الوحشية في التعذيب بالقبور !!

ثم لا ادري ما الفائدة من سؤال يوم القيامة ان كان هناك سؤال للملكين في القبر !!

ولماذا يطلقون على ذلك الثعبان الخرافي وصف الشجاع الاقرع؟ !!

هل هناك ثعبان أقرع وآخر أجلع وثالث كثيف الشعر؟ إن كل الثعابين ليس على رؤوسها شعرة واحدة !!

ولكنه الخوف يغيب العقول ويجعلك تسلم لهذه الخرافات.

انني استذكر جيدا كيف كنا نتصور هذه المسرحيات التي يسردها شيوخ الكهنوت ونهرع اليهم مستسلمين ؟!

سيقول قائل: انهم لم ياتوا بها، وإنما هي احاديث؟

وهنا نرد سؤالهم بسؤال: هل الاحاديث قطعية الثبوت أو الدلالة؟!

بل إن كل السنة القولية هي ظنية الثبوت والدلالة وهذا ما اتفق عليه أهل العلم قاطبة بلا خلاف ، وبالتالي كيف نسلم ونؤمن بأحاديث "ظنية" جمعها أهل الحديث بعد أكثر من مائتي سنة من وفاة رسول الله !! وساقها التراثيون إلينا نقلا بلا عقل ولا تمحيص !! إننا لو عرضنا عذاب القبر المزعوم وكل تلك الاساطير لما وجدنا لها في كتاب الله ذكر ولو ببنت شفة !! لان الحقيقة الأولى أن الله سبحانه لا يحاسب مرتين .. حيث يقول تعالى:

والمعنى ان الله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في (الحياة الدنيا) (وفي الآخرة) فقط وبالتالي لا يوجد بينهما امتحان أوتثبيت. وهناك ادلة كثيرة جدا تثبت ان الحساب والجزاء يوم القيامة فقط (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة)

وإن اردنا دلالة قطعية على نفي عذاب القبر فيكفينا قوله تعالى

إن هذه الآية تدلل ان الموتي يخرجون ويتساءلون من اخرجنا من (مرقدنا) لأنهم كانوا في حالة رقاد او سبات لا شعور فيه!!

إن هذه دلالات لنصوص قرآنية صريحة من كتاب الله تنفي بما لا يدع مجالا للشك خرافة عذاب القبر وهناك غيرها العديد من الايات. فمن يريد تكذيب القرآن وتصديق تراث الارهابيين فليفعل، ولكن لا يلزمنا بتصديق هذا الهذيان الذهاني وهذه الهستيريا الحمقاء.

بقي استدلال "سطحي" من مروجي هذه الخرافة في الآية التالية: 

أولا: لو كان لهولاء قلب لعلموا ان الاية خاصة بآل فرعون بنص الاية

ثانيا: (النار يعرضون عليها) وليس  (تعرض النار عليهم) بالتالي لا تنزل النار لهم في قبورهم

ثالثا: عذابهم معنوي وليس مادي وذلك لأنهم يعرضون على النار فقط ولا يدخلونها

وهذا الفرق واضح ففي بداية الآية (يعرضون عليها) في (مرقدهم) علي هيئة (كوابيس) كما يحدث للنائم !! ويوم القيامة (يردون) الى اشد العذاب. 

والسؤال هنا  .. ما الذي يحدث بعد الممات وقبل البعث؟ وكيف ينتقل الانسان من الدنيا الى الاخرة؟ 

نقول .. علمياً .. اذا توقف قلب الإنسان وفشل بإيصال الدم المؤكسد للدماغ ولأكثر من ستة دقائق فإن خلايا الدماغ تتوقف عن العمل. وبالتالي عندما يتوفى الانسان و يودع في قبره لن يسمع لا قرع نعال ولا سلام احد ولا هم يحزنون والدليل في هذه الآية
 :

وان مرحلة الموت (الوفاة) قد بينها الله بشكل جلي في ايه واحدة لا تقبل الجدال :

نفهم من الاية أن الله يتوفي (نفس الميت) تماما كما يتوفى (نفس الحي) في المنام وكلاهما تسمى حالة وفاة في اللغة .. فيمسك الله نفس الميت (التي قضى عليها الموت) وأما (نفس النائم) فترجع الى جسد النائم وبالتالي كلاهما كانا في (مرقد).

نستفيد من الآية أمران مهمان للغاية:

الأول: أن حالة خروج النفس من الجسد متشابهة تماما في حالتي المنام ام في الممات

الثاني: ان حالة الموت كحالة المنام ولذلك نرى الاستعارة اللفظية في هذه الآية بالمرقد !! والاستعارة اللفظية لمفردة مرقد موجودة في آية أخرى : (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)

الثالث: أن خروج النفس في الحالتين من العالم المادي الى "العالم الأثيري" قد يسمح لها بالالتقاء بالأموات وهذا ما يفسر رؤيتنا للأموات في المنام!! 

(العالم الأثيري أو الأثير المضيءLuminiferous Aether احدى نظريات الأثير Aether Theories  - اذهب للرابط) 

ختاما ..

أتمنى من كل قارئ إعادة إستقراء الموروثات الدينية التي لا أصل لها في كتاب الله بل وتورث في قلوب الناس الشك برحمة الله .اننا في الواقع تهافتنا منذ قرون على مفاهيم تخالف العقل والعلم وصريح القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأصبحنا كمن استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.

------------------------
المراجع /
1. القرآن الكريم 
2. طريق النجاة من فزع القبر ، علي الطهطاوي، دارالروضة ، القاهرة
3. سكرات الموت -وعظة الموت وشدائده- ، مجدي الشهاوي ، مكتبة الإيمان، القاهرة
4. مواقف يوم القيامة ، السيد الجميلي، دار الجيل ، بيروت
5. أهوال القبور ، محمد عبدالملك الزغبي، مكتبة الإيمان، القاهرة
6. أوهام عذاب القبر ، أحمد عبده ماهر، مطابع مصطفى الهلالي ، الفجالة ، القاهرة
7. إستحالة وجود عذاب القبر، إيهاب حسن عبده، مكتبة مدبولي الصغير ، القاهرة
8. أكذوبة عذاب القبر والثعبان الأقرع، أحمد صبحي منصور، موقع الحوار المتمدن  
9. مقال /خرافة عذاب القبر ، عز الدين نجيب ، موقع أهل القرآن