السبت، 21 يوليو 2018

حقيقة الحجر الأسود الذي تقدسون!


الحجر الأسود .. في موروثنا الإسلامي، هو حجر من  أحجار الجنة، جاء به جبريل من السماء، حيث روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو أنه قال: نزل الركن الأسود من السماء فوضع على جبل أبي قبيس كأنه بلورة بيضاء فمكث أربعين سنة ثم استخدمها النبي إبراهيم في بناء الكعبة ليصبح جزءاً منها.

ولكن  هذا الحجر النازل من السماء كان أبيض و تحول بفعل خطايا الناس إلى اللون الأسود!! كما روى الترمذي عن ابن عباس أن الرسول قال "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني ‏ ‏آدم " وفي رواية أخرى أنه قال "أشد بياضًا من الثلج"!

كما روى عبد الله بن عمرو أن هذا الحجر سيعود للجنة حيث قال:" أنّ جبريل عليه السّلام نزل بالحجر من الجنّة، وأنّه وضعه حيث رأيتم، وأنّكم لم تزالوا على خير ما دام بين ظهرانيكم، فتمسّكوا به ما استطعتم، فإنّه يوشك أن يجئ فيرجع به من حيث جاء به ". وهذا ما ذكره الأزرقي في تاريخه:" إنّ الحجر الأسود سيعود إلى الجنّة في آخر الزّمان ".

ويبدوا أيضاً أن الحجر الأسود سينطق  يوم القيامة بلسان وشفتين فقد روى الطبراني أن رسول الله قال "‏اشهدوا هذا الحجر خيرا فإنه يأتي يوم القيامة، شافع مشفع، له لسان وشفتان ، يشهد لمن استلمه‏"‏‏. وفي رواية للترمذي قال:‏ "‏والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من ‏ ‏استلمه ‏ ‏بحق" لذلك،

وتسليماً بهذه الروايات "الصحيحة" والمنزهة من كل خطأ بشري، ترى المسلمين يتسابقون إلى تقبيله وإلى لمسه ولو تقاتقلوا على ذلك. حتى أصبح تقبيل الحَجَر الأسود من أهم الشعائر التي تؤدى تقربا لله، وهو مبدأ الطواف ومنتهاه، محاط بإطار من الفضة الخالصة وموضوع في ركن الكعبة الجنوبى الشرقى بإرتفاع متر ونصف عن الأرض.



ونتاج لهذه الأهمية الدينية فقد مر الحجر الأسود بحوادث نزاع على مر التاريخ، كحادثة التنازع على وضع الحجر الأسود ورمي الكعبة بالمنجنيق في عهد يزيد بن معاوية سنة 64هـ مما اضطر عبدالله بن زبير إلى هدم الكعبة وبناؤها من جديد. كذلك هدمها الحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن تمكن من مكة وبناها من جديد في عهد عبدالملك بن مروان.

ولكن كان أبرز حدث هو استيلاء القرامطة على الحجر الاسود في عام 317 للهجرة وظل عندهم اثنين وعشرين عاماً. حيث أورد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ج11 ص161 " ما يلي نصه (فلما قضى القرمطى امره وفعل ما فعل بالحجيج..., امر ان تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثير منهم في أماكن من الحرم وفى المسجد الحرام و هدم قبة زمزم وامر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، وشققها بين اصحابه ثم أمر بالحجر الاسود واقتلعوه واخذوه معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم اثنين وعشرين سنة حتى ردوه). و ذكر أيضاً ان القرامطة بعد أن استولوا على الحجر الأسود قالوا (لم ترمينا طير أبابيل ولا حجارة السجيل)!!


ونتيجة لهذه الحوادث الجسام التي مر بها المسجد الحرام والكعبة تحديدا عبر التاريخ وإعادة بنائها وتشكيل الحجر الأسود عدة مرات، فإن حجم الحجر الأصلي غير معروف أبعاده على وجه الدقة ولكن الأقرب أن قُطر الحجر الأسود كان حوالي 50 سم اما الآن فلم يتبقى منه سوى ثمان حصوات صغيرة جداً في حجم التمرات أصغرها تبلغ 1 سم وأكبرها 2 سم.

بالتالي، ليس كل ما بداخل الطوق الفضي هو من الحجر الأسود، إنما تتوسط القطع الثمان الصغيرة معجون أسود، ويتم تثبيتها باللبان العربي داخل الإطار المكون من الفضة الخالصة الذي يحمي الحجر. فما تراه فعلياً ماهو إلا معجون أسود يحتوي على ثمان حصوات من الحجر الأصلي الذي تعرض للسرقة والتكسير فوضعت هذه الحصوات داخل المعجون. وهذا يُبطل عملياً مفهوم كلمة "الحجر " الشائعة لدى المسلمين ويبقى في حقيقته "أحجار سوداء".


ويجدر بنا هنا ذكر أنه في عام 1851م قام المستكشف والمستشرق الإنجليزي السير ريتشارد فرانسيس برتون برحلة سرية وجريئة إلى الحجاز متخفيًا في زي مغربي، ومدعيًا أنه مسلم وكان يجيد اللغة العربية. وبين الحجاج ، استطاع أن يحصل على ذرات من الحجارة السوداء ليحملها معه إلى لندن، وبدأت تجاربه عليها في المعامل الجيولوجية، ليكتشف أنه من حجر التكتايت Tektite وهو حجر مشعّ به كميات من مادة الايريديوم، موجودة في النيازك بوفرة، وكثافته أعلى بكثير من كثافة القشرة الأرضية وتتشكل باللون الأسود أوالبني أو الأخضر الداكن خلال مرور النيزك بالغلاف الجوي وارتطامه بالأرض. وسجل هذا في كتاب له بعنوان "الحج إلى مكة والمدينة، مرويات شخصية" صدر  باللغة الإنجليزية سنة 1857م في لندن.


ربما كان سقوط جرم ملتهب من السماء عاملاً رئيسياً لإعتقاد الإنسان البدائي في حزيرة العرب بقداسة هذه الحجارة وأنه جاء من عند الآلهة. كما أن هناك اعتقاد بدائي -لا زال يعتقده أغلبية المتدينين البسطاء- أن السماء عبارة عن سقف صلب يسكنها الله فوق العرش !! وهو ما عبر عنه أهل الحديث بعبارة "الله فوق السماء" .

يذكر العلامة الدكتور جواد على في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج3 ص739 طبعة 1980 أن الحجر الأسود لم يكن الوحيد عند العرب قبل الإسلام. فكان هناك حجر يسمى (هفلس) عند أهل الإخبار وقد ذكروا أنه كان على هيئة حجر أسود تعبدت له قبيلة (سليم), أي أنه كانت هناك أحجار سوداء أخرى عبدها العرب. إن هذا التصور الذي صاحب عبادة الحجارة السوداء عاصر الإنسان منذ القدم، فنجد في الطائفة الهندوسية "لينقام" (Lingam) الحجر الاسود المقدس الذي يمثل رمز الطاقة التوليدية للآلهة شيفا Shiva



الخلاصة:

بالرغم أن القرآن لا يوجد به أي إشارة للحجر الأسود في أي موضع من مواضعه، وبالرغم من أن العلم أثبت أنه مجرد بقايا نيزك لا يضر ولا ينفع، إلا أن الأحاديث والروايات سمحت بتقديس هذه  الحجر أو هذه الحجارة السوداء كونه"من أحجار الجنة" أتى به جبريل من السماء!! ليصبح حجر يضر وينفع ويغفر الذنوب وسيأتي يوم القيامة ليتكلم ليشفع للإنسان

إن هذا التوسع المشين في تفسير الحجارة السوداء جاء من خلفيات عقدية غير بريئة من التأثر بالعقائد الوثنية كاهندوسية مثلا. حتى وصل الاعتقاد بالحجر الأسود إلى مرحلة يصعب معها العلاج، ومدخلاً لاتهام الإسلام بالوثنية، بالرغم أنه كان موجود قبل البعثة المحمدية ومجرد "علامة إرشادية" لبداية الطواف حول الكعبة، وأن إبقاء النبي عليه كونه موجوداً منذ زمن قديم كعلامة على بدء ونهاية الطواف، وهذا يعني أن المجتمع الآن ليس بحاجة لتلك العلامة  ويمكن استبدالها بأي تقنية متطورة تحقق الهدف من وراء ذلك الحجر. إنه وبالرغم من صعوبة تحقق ذلك لكنها تبقى فكرة للتخلص من الآثار السلبية التي يُحدثها الزحام حول الحجر واتهامات الإسلام بالوثنية.

دمتم في رضوان ربكم.



المراجع:
-        المعجم الكبير لأبو القاسم الطبراني، الطبعة الثانية، مكتبة ابن تيمية – القاهرة
-        الجامع الكبير - سنن الترمذي، دار الغرب الإسلامي - بيروت  1998 م
-        أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار (تاريخ الأزرقي)، محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، الطبعة الأولى ، مكتبة الأسدي، 2004م
-        البداية والنهاية ، لابن كثير إسماعيل بن عمر الدمشقي  دار النموذجية - المطبعة العصرية 2008م
-        الحج إلى مكة والمدينة، مرويات شخصية ، ريتشارد فرانسيس برتون،  لونغمان وبراون وغرين ولونغمانز وروبيرتس، لندن 1857م
-        المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام جواد علي آوند دانش للطباعة و النشر  2006  م
-      تقرير العربية "كيف تتم صيانة الحجر الأسود" :

-      كتاب رحلة حج إلى المدينة ومكة لبورتون :
Burton, R. F. (1855). A Personal Narrative of a Pilgrimage to Al-Madinah and Meccah. London: Tylston and Edwards.

هناك 9 تعليقات:

  1. ترى اذن أن يتم التخلص منه واقتلاعه من موضعه واستبداله بإشارة ضوئية او شاشة يتغير لونها باللمس مثلا ؟؟
    اذا كان الحجر الاسود من بقايا وثنية فالكعبة برمتها والكواف حولها وكذلك السعي شعائر وثنية ايضا نحتاج لاعادة النظر فيها.
    ليتها بركت ذاك اليوم

    ردحذف
  2. أمرنا بالتقبيل ولو لم يبقى منه الا الفتات وكما قال عمر رضي الله عنه عندما استلم الحجر فقال اني لاعلم انك حجر لاتضر ولا تنفع .. ولكنه قبله امتثالا لامر النبي وفعله ﷺ فقولك بانتزاعه يشابه القرامطه الذين يقولون انه لم ترجمنا الطير الابابيل فلا تكن داعية شر .

    ردحذف
  3. الامر لله وليس لغيره وما اهلك الله الامم التى سبقتنا كما ذكر الله لنا في كتابه العزيز الا لاتباعهم ابآهم واجدادهم وكل شعوب الارض الان لم تخترع دين جديد بل ورثوه من الاجداد .
    والعلم عندالله ولا غيره وما نحاسب الا بما ذكره الله بكتابه.والحمدلله الذي هدنا الى الحق

    ردحذف
  4. مالدليل على صحة الرواية اساسا !!!

    ردحذف
  5. من وجهه حياديه الى يمكننا التشكيك ب رواية فانسيس
    الإنكار ليس فقط للبعثره
    الإنكار لانه من حقي ان لا انجرف تحت قصه شخص ذهب لمكه متنكر و سرق فتات من الحجر انها ليست بذالك السهولة
    اما جزئ الوثنيه اتفق معك الى حد ما كثير من التصرفات التي نقوم بها من غير تفكير منطقي مع ان ديننا قائم على العقل و المنطق
    شكرا لكك

    ردحذف
  6. كلامك سرد تاريخي وشوية صور، والخلاصة أنك تنكر السنة النبوية ولا تعتمد إلا القرآن، وهذا نهج الملاحدة واللادينيين للتأثير على نفوس العوام البسطاء، وعلى طريقتك هذه سننحي نصف الدين جانبًا، والحق الذي ندين الله به أننا نأخذ ما صح من السنة المتواترة والصحيحة سندًا ومتنًا دون شذوذ أو علة على وفق المنهج العلمي الرصين والدقيق والقاسي للتعامل مع السنة، فما كان كذلك اعتبرناه وحيًا من الله على لسان نبيه، هذا المنهج البعيد كل البعد عن خشيمك، فلن تقرأ أصغر متن في مصطلح الحديث ولا كتابا في نقد الرجال ولا في ثبوتية السنة وإلزاميتها، بل ولا حتى الورقات في أصول الفقه، ليس لأنك لا تستطيع لكن لأن الكِبر والحقد أعمى بصيرتك، قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)

    ردحذف