رفقــاً بعقولنا يا #بغال_الصحوة ..

إن الترميز بظاهرة العصبية القبلية كشكل من أشكال التخلف الإجتماعي و الذي نعيشه  واقعاً بيننا حتى في التفريق بين "المرء وزوجه" كما يسمى في قضائنا المبجل "بعدم تكافؤ النسب" يُعد تغاضيا عن المسببات التي أوصلتنا الى هذا المستنقع الثقافي  !! وفي رأيي أن مشكلتنا الحضارية ليست هنا، فكثير من المجتمعات مرت بعصور من التخلف المؤدلج والمسير بأغراض سياسية أو بأغراض مادية تقوم على تجارة الوهم والإستنفاع من جهل المجتمع،  ولكن مشكلتنا  أن تصبح هذه الظواهر من المسلمات بل وأصبح القيام بتلك الأفعال عملاً صالحاً نؤجر عليه وأصبحت رموزها الدينية من أولئك الذين "يحرم الله علينا لحومهم"!!

لقد باتت الرجعية  ومظاهرها المخجلة في مجتمعنا سمة فارقة تُظهرنا كشواذ بين المجتمعات الأخرى وأصبحنا نستخدم هذه "العقلية" في  ايجاد حلول لمشكلاتنا!! فكلما أردنا إيجاد حل لمعضلة في وقتنا الحاضر عدنا الى الوراء وتحديدا الى القرن السادس الميلادي لنرى ماذا فعل الصحابة والتابعين ثم نجتر ذلك الحل الى القرن الواحد والعشرين !! وبهذه العملية نحن نقوم بتشويه تاريخنا لأنه سيبدو للعالم كله تاريخ متخلف. وإن فعلنا (وقد فعلنا ، رغما عن التاريخ وما وصلت إليه الشعوب من حضارة معرفية وتكنولوجيا متقدمة) فسنقوم بتشويه العصر وسنعيش خارج الزمان والمكان.
تماما كما لو قمنا بحفر خندق في حرب ما لمواجهة جيش  يملك صواريخ بالستية عابرة للقارات !! فقط لأن محمد وصحابته الكرام قاموا بذلك في معركة الأحزاب قبل ألف وأربعمائة سنة !!! وسأعطي أمثلة أكثر واقعية بل ونراها في حياتنا وبشكل يومي !!

لننظر الى مسألة السواك مثلاً ..

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل السواك وسيلة لنظافة الفم والأسنان حيث كان السواكيؤخذ  من شجر الآراك وهي شجرة موجودة في شبه جزيرة العرب.  وبالمناسبة، هذا الإختراع ليس من بنات أفكار  النبي صلى الله عليه وسلم بل يعود تاريخ العناية بالأسنان وتحديدا فرشاة تنظيف الأسنان إلى 3500-3000 قبل الميلاد عندما قام البابليون والمصريون بصناعة الفرشاة من أغصان الشجر.  كما عثر في مقابر المصريين القدماء على عصي الأسنان (السواك) جنبا إلى جنب مع أصحابها مما يشير ذلك الى عادة صحية موجود قبل العهد النبوي.

كذلك قبل 1600قبل الميلاد، قام الصينيون بإستخدام الفرشاة "عصي المضغ" التي كانت تصنع من اغصان الأشجار العطرية لنظافة الأسنان وتحسين رائحة الفم.

 فإذا أردنا أن نفهم سنة السواك فهماً معاصرا نقول أن السنة النبوية تحض المسلمين على العناية بنظافة الفم والأسنان"ضمن أفضل الوسائل المتاحة " وفي حين كان السواك هو الوسيلة الوحيدة المتاحة في عهد النبي  فاستعماله هو تطبيق جيد قبل ألف وأربعمائة سنة ، وبما أن الطب الحديث قد سـلــّم بأهمية العناية بنظافة الفم والأسنان والتي تقي من أمراض عدة قد تتطور الى ما يسمى بالأمراض الذاتية "Autoimmune diseases " كمرض الحمى الروماتيزمية "Rheumatic fever" أصبح استخدام الفرشاة والمعجون الان مطلب يومي للوقاية من الأمراض!!

ولكننا أبتلينا  في زمننا هذا بأناس لا يزالون يستعملون السواك!! ولا مشكلة لدي هنا إطلاقاً ،  ولكن أن  يتركوا الوسائل العصرية المتاحة ظنا منهم أن ذلك إقتداء بسنة النبي فتلك مصيبة !!! ولوا ظنوا بأنهم يؤجرون على هذا السنة العملية فقط  وأنهم لن يحصلوا على هذا الأجر ان استخدموا الفرشاة والمعجون فالمصيبة أعظم!!  لأننا لا نرى في ذلك إلا تبعية حمقاء لم يـُـعمِـلوا فيها خلية واحدة من أدمغتهم !!

مثال آخر ...

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس من لباس العرب ولا يختلف عنهم حتى أن الذي كان يأتيه من العرب وهو جالس بين صحابته أو مع الناس كان يسأل من "منكم محمد"؟؟ فهذا يعني أن النبي لم يتميز بأي شيء في لباسه ولا في لحيته وكان لباسه لباس العرب في حينه .. وما كان إطلاق اللحية إلا واحدة من عادات العرب في ذلك الوقت...

وهكذا نفهم السنة النبوية في اللحية واللباس هي أن على المسلم أن يلبس لباسه القومي ..

وأن يكون هندامه قوميا بدون حرج...

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لباسه وهندامه قوميا وهذه السنة أكبر درس في الشعور الوطني.

وهو ما يختلف كلية عن وقتنا الحاضر !!

فهل ظن أصحابنا هؤلاء أن النبي  قد أطلق لحيته بعد أن نزل عليه الوحي ؟؟!!

أم ظنوا .. أن أبا بكر قد قصر من ثوبه "الى نصف الساق" بعد أن أسلم ؟؟!؟

أم ان عمر كان يلبس العقال ثم ألقى به  لأنه مدعاة للزهو والغرور كما يبرر هؤلاء !!
أم أنهم وجدوا أباءهم على ملة فظلوا لها عاكفين !!

 إن مجرد التفكير في حل هذه المعضلة بات محبطاً جداً .. 

وإن محاولة تطبيق الحلول و "سعودية 2030"  أشبه  بالمستحيل في ظل وجود هذه العقليات وواقع مرير نجعل فيه من فتاوى أهل القبور "قرآناً منزلاً" !!

ومن المذهب السلفي "الآبائي الرجعي" منهجية علمية !!
ومن تراث الحمقى والسفهاء " ثقافة"!! 
ومن "الهياط" القبلي ومزاين البهائم والإسراف الفاجر "مرجلة" !!

فكيف نخرج من هذا المأزق ونحن نمجد الماضي بهذا الشكل المخجل ..

وكيف نخرج منه ونحن نحاول الخروج من واقعنا للعيش في عصور لم نولد فيها أصلاً!! 

كيف نخرج  ونحن نجر الماضي جراً بكل إيجابياته وسلبياته وسلوكياته البدائية  الى القرن الواحد والعشرين !؟!
"كيف " ... سؤال لا أريد الإجابة عليه !! 
لأنكم  لبثتم  نصف قرن من الزمان .. بل سرقتموه من عمر الوطن تحاولون عبثاً تغيير سنة الله في الأرض !!
فرفقــاً بعقولنا ..
يا #بغال_الصحوة ..