كتبت في بيتي الدافئ وسط برد الغربة القارص
بعد يوم طويل ... ممل و رتيب ..
انتقلت فيه بين هذه الشعبة وتلك ..
وبين اقتضابة وجه هذا المحاضر .. ورتابة الآخر ..
وصلت ولله الحمد لمنزلي سالما معافا من بطش تلك الباصات والشاحنات التي
هيمنت على الشارع الأردني بشكل مستبد !!
وأصبحت جزءً لا يتجزء من حياته اليومية !!
إستلقيت على فراشي بعد أن أصابتني الكبسة بحالة أشبه بالإغماء أو فقدان الذاكرة المؤقت وذلك
لعلي أدرك شيئا من قيلولة ما بعد الظهيرة ، ولكن بتوقيت هذا البلد الشتوي أصبح ذلك في عداد الأمنيات ..
وقبل أن يداهمني صوت المؤذن لصلاة المغرب داهمني اتصال أحد الأخوه يذكرني
فيه بلقاء طلبة الجامعة مع سعادة الملحق السعودي الجديد!!
فقلت
الحمد لله . . . .
لقد تذكروا أن لهم أبناء بالخارج !
(لكن وش المناسبة ؟؟) قلت له .
قال :( الله عوضنا في العويضة خير العوض ) .
كانت جملته هذه رائعة ...
ففي الحقيقة لقد عمر الدكتور سلطان العويضة بما فيه الكفاية
فبالرغم من اجتهاداته إلا أن الرجل قدم كل ما لديه
أو بالأحرى لم يعد لديه ما يقدمه .
وهذا هو حال الدنيا ..
فلكل زمان رجال ..
(ولكن من هو خير العوض هذا ؟ ) سألت ...
فرد علي بشئ من الحماسة و كثير من العنصرية القبلية: ( غطك الله في وجهك..
ذيه بن بردي ياخه ما عرفته )!!
وأكمل مسترسلا معرفا بإبن قبيلته "الدكتور علي بردي الزهراني"
الذي شغل العديد من المناصب في جامعة أم القرى كان اخرها رئيسا لقسم الإدارة التربوية
و التخطيط وقبلها عميدا لشؤون الطلاب وشارك في العديد من المؤتمرات كما كان مستشارا
لمعالي وزير التربية السابق الدكتور محمد الرشيد وأشرف على العديد من رسائل الماجستير
والدكتوارة ) ....
لكن الحدث الآن ليس تعيين الدكتور الزهراني ملحقا ثقافيا إنما الحدث الآن
هو مجيئه إلينا بجامعة العلوم و التكنولوجيا ...
كان حدثا يعني لي ولغيري الكثير ... فهي فرصة جيدة أن تتعرف بهذا الرجل الذي يعتبر المستشار الثقافي والسفير الأكاديمي
لخادم الحرمين الشريفين ومن خلال هذا اللقاء تستطيع أن تتنبأ بمستقبل الملحقية الثقافية
وبكل ما هو مناط بها من مهام و أعمال .
حل يوم اللقاء ..
المكان :
مدرج الكرامة بمبنى رئاسة الجامعة ..
الزمان :
الحادية عشر قبل الظهر من يوم الخميس 16تشرين الثاني ..
توقعت مدرجا أكبر من هذا !!
كيف لا وعدد الطلبة السعوديون بالجامعة يبلغ أكثر من 750 طالب وطالب
!!!
ولكن ..
ما إن دخلت القاعة التي تتسع لـ250شخصا حتى تمنيت أن يمتلئ المدرج .. على
الأقل .. لحفظ ماء الوجه.
على كلٍ ...
لم تتحقق أمنيتي كاملة وحضر عدد لا بأس به ..
أختار الأخوات الطالبات المقاعد الخلفية التي بالمنتصف ..
وانتشر بقية الشباب في المقاعد الأخرى..
لم يدم انتظارنا كثيرا حتى أتى ملحقنا الجديد .
جلس الرجل أمامنا ..
أربعيني
متوسط الطول
قمحي اللون
كثيف الشارب
بشوش
غير مقترن الحاجبين (وهذا ينم عن رجل اجتماعي الى حد ما)
وعلى يمينه ...
الرجل المحبوب والخلوق
الرجل الصبور وصاحب القلب الكبير
الخبير الثقافي و رجل الملحقية الأول
الأستاذ رمضان بخش
وعلى شماله ..
الأستاذ مهنا الرجل المالي للملحقية
(أبو الفلوس كما أحب الملحق أن يسميه ).
بدأ اللقاء بكلمة ترحيبية من مساعد عميد الجامعة وكانت على عجل ليترك الأب
مع أبناءه "البرره الكرام" ...
تحدث سعادة الملحق الثقافي ...
وبدى رجلاً صادقاً متحمساً و راغباً في التغيير ..
ولعل من أبرز ما قال هو إعترافه الجرئ بالقصور و السلبيات الموجوده
بالملحقية ..
وبعد ذلك ترك المجال لأسئلة الطلبة ...
وبغض النظر عن ماهية الأسئلة فلن أتناولها بطبيعة الحال ولكنني أنظر بمنظار
شمولي للنواحي النفسية و الثقافية والإجتماعية والدينية التي صاغت لنا هذا الجيل بتناقضاته
المتعددة ..
فبعد أن يحشد الواحد منهم كل ما يستطيع من جرأة وشجاعة ليقف أمام الجمهور
في مدة لا تزيد عن دقيقة واحده فقط ليسأل سؤالاً واحداً ....
إلا إنه ما إن يُعطى المايكروفون حتى تتبخر الحروف و الكلمات وتتعرقل المعاني
في الجمل وتتطور الحالة حتى تصبح الرجفة أبرز معالمها وإحمرار الوجه أكبر دلالاتها
..
ولي في ذلك وقفة بسيطة ..
فمن أكثر الاشياء التي تصيبك بالضيق حين يقف امامك شاب ويعجز في
التعبير عن نفسه..
ليس وانت تعنفه .. ولكن حين يعبر عن ذاته .. والاصعب
حين يعجز الشاب السعودي عن معرفة المشاكل التي يعاني منها جيله..؟؟
نعم ..حين يصل شاب إلى الثامنة عشرة من العمر إلى هذا الحال،
فلابد ان نعرف يقينا ان مؤسسات التنشئة بأكملها ضعيفة في اداء أدوارها مع الناشئة ..
نعم .. الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام كأهم المؤسسات المسؤولة عن تنشئة
ابنائنا جميعها بشكل أو بآخر ..
نعم .. هي مسؤولة عن هذا الواقع المؤسف بكل المقاييس..؟
وحين أقول الشاب السعودي فأنا أعنيه بجنسيه الذكر والإنثى ، والحديث هنا عن الأنثى السعودية يزيدني أسفاً.. تلك التي أكلت العادات والتقاليد و الأعراف منها وشربت !! لا أريد هنا ان اعتقد انهن شخصيات بلا رائحة أو طعم أو نكهة أو لون..؟؟ ولكن اتساءل كيف وصلت إلى هذا المستوى من الغياب والتغيب عن كل شيء لا
يعرفن ما يدور في مجتمعهن ولا يعرفن كيف يقيمن شخصياتهن !! لا يملكن القدرة على الاعتزاز بشيء أو رفض شيء وان كان عيباً فيهن..؟؟
وفي الغالب هي ليست الملامة هنا ، فهي لا تملك حرية الإختيار .. لأنها مستعمرة (العيب و الحرام) ...!!
نعود لحفلنا ...
الذي يسأل هذا بإلحاح !!
و آخر بشيء من التنمق الممجوج !!
وذاك يطرح سؤاله بإستفزاز غير مبرر !!
وتلك بشيء من الاستخفاف !!
ناهيك عن الإختلاف الكبير في اللهجات ...
ولكم أن تتخيلوا كيف لشخص أن يتحمل هذا السيل الهائل من الأسئله ..!! فدعوت (اللهم كن في عون ملحقنا الجديد).
إلا أن صدره قد اتسع لهذا كله !! بالإضافة إلى روحه العالية ودماثة خلقه و خفة ظله التي تجلت بوضوح من خلال
هذا اللقاء.. والأعجب ذلك التمكن الرائع في السيطره على هذا الجمهور الشاب . وانتم تعلمون ما يمثله هذا السن من اندفاع وتهور في احيان كثيرة ...
وأخيرا ...
تحققت أمنيتي ولله الحمد ...
فقد انتهى اللقاء على خير !
ووفق الدكتور الزهراني في إدارة هذا اللقاء ..
غادر القاعة تاركا فينا أنموذجاً للرجل المسؤول ..الرجل الحان على أبناءه
..
كلنا في الحقيقة نتمنى نجاحه .. لأن في نجاحه نجاح للجميع ..وإنهاء لمعاناة
كل الطلبة السعوديين بالأردن ..
في أمان الله.
كتبه /
أبلد الطلبة السعوديين في ريف إربد !!
العاشر من حزيران عام 2009 بعد الميلاد
وفقك الله
ردحذف