في أواخر 2010م، وبعد أقل
من عامين من انتخاب الرئيس الأمريكي أوباما بدأ "الخريف" العربي!! ودبت (الفوضى الخلاقة) في كل مكان!! تلك الفوضى التي اطاحت بأربع
رؤساء عرب دفعة واحدة حيث لعبت دوراً حيوياً في الأشهر الأولى الصاخبة من
الربيع العربي. وبلورت عبر شبكة الجزيرة الإعلامية، سرديات الاحتجاجات البازغة في تونس وضرورة التدخّل
الدولي في ليبيا لإنقاذ الشعب من بطش القذافي، ثم لاحقاً في مصر لإسقاط نظام حسني مبارك وفرض
العزل الدبلوماسي على نظام بشار الأسد في سوريا.
في خضم تلك المرحلة العصيبة
والمليئة بالانقسامات والصراعات والميولات المتضاربة والكثير من الغموض المريب، مُكِّن
الإخوان المسلمين في تونس عبر حزب النهضة بعد فرار الرئيس بن علي إلى جدة!!
فيما قفز حزب الاخوان بقيادة محمد مرسي الى سدة الحكم في مصر . أما في
ليبيا، فلم يكن وصول الإخواني مصطفى عبد الجليل على رأس المجلس الوطني الانتقالي
الليبي من سبيل الصدفة . كما لم يكن أيضا تشكيل مجلس الائتلاف الوطني السوري
المعارض من رموز الإخوان وعلى رأسهم الإخواني "غسان هيتو" صدفة أيضاً
حيث فرض فرضًا من قطر والإخوان المسلمين ولم يحظ بإجماع أو تأييد أكثرية المكونات الأساسية
للمعارضة السورية. ولكن بقيت الثورة في اليمن استثناءا عن الأخوان القطريين
بل وهبت لجماعة عبدالملك الحوثي كحصة إيران في هذه المخطط الى جانب مملكة البحرين
التي اندلعت فيها الاحتجاجات الشعبية ذو الصبغة الطائفية حتى أضطر الملك حمد لإعلان
حالة الطوارئ وفرض الأحكام العرفية في البلاد لثلاثة أشهر.
في خضم تلك الاحداث العظيمة
والمتسارعة ـ أفاق السعوديون في مجابهة هذا المخطط الكبير بدعم يتيم من الإماراتين
وتأييد "خجول" من دولة الكويت. وعندما نتحدث عن الحراك السعودية السياسي
في تلك الفترة فهنا نتحدث تحديدا عن "الدهاة الثلاثة" في الاسرة
الحاكمة وهم الأمير سعود الفيصل وزير
الخارجية رحمه الله، وولي العهد في ذلك الوقت الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس
الاستخبارات السعودية وسفيرها السابق لدى واشنطن بندر بن سلطان !!
عندما بدأت تتضح ملامح
هذا المخطط وتلامس نتائجة الأرض لم تبدأ الرياض بالإخوان في الداخل السعودي ولو
فعلت لكانت الخطيئة الكبرى التي لا تغتفر حيث كان من الممكن أن يشعل التدخل الأمني
فتيل الفوضى في جسدها وسط تلك الأحداث والثورات التي تنهش الدولة تلو الأخرى.
ولكن تظهر هنا طباع رجل
الصحراء في الحكمة والتريث، فتجاهلت السعودية إعلامياً الوضع الداخلي مع قليل من
الضبط الأمني في بعض المناطق التي لم تشهد سوى بعض المظاهرات وغير المنظمة أو المترابطة
أو حتى الموجهة لهدف واحد. ففي يناير من
عام 2011 تظاهر المئات في مدينة جدة إحتجاجاً على سوء البنية التحتية التي أدت إلى
سيول جدة ، فيما خرجت مظاهرة في فبراير من نفس العام تظاهرت فيها أكثر من 40
إمرأة من أهالي و ذوي المعتقلين السياسيين و الموقوفين الأمنيين بقضايا الإرهاب
أمام مقر وزارة الداخلية ، عقبها تظاهر أكثر من 300 شخص في قرية العوامية شرق
البلاد للمطالبة بالإفراج عن أشخاص مسجونون على خلفية تفجير أبراج الخبر عام 1996م
، ثم تبعها مظاهرتي "جمعة الحشد" و"ثورة حنين" والتي استغل
الإخوان المسلمين فيها بعض قضايا المجتمع السعودي كالفقر، والبطالة، وبريقراطية
القضاء في محاكمة متهمي الإرهاب.
بالرغم من ذلك كان أول تحرك
سياسي حقيقي في هذا الاتجاه كان من خلال الموافقة على طلب حكومة مملكة البحرين
للإستعانة بقوات درع الجزيرة وإرسال لواء مكون من 2000 مقاتل لإخلاء مناطق
الاعتصام من المظاهرات وإعادة المستشفى الرئيس ومرافق أخرى لسلطة الدولة.
في فبراير 2012م ، انسحب
الوفد السعودي برئاسة سعود الفيصل من مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس بعد ان اتضحت
نوايا مجلس الائتلاف الوطني السوري المعارض والمعني بتشكيل الحكومة
المؤقتة حيث هيمنت رموز اخوانية على التشكيل وعُين الإخواني
"غسان هيتو" رئيساً للحكومة في مارس 2013م. وفي نفس العام من شهر يوليو
دعمت الإدارة السعودية انقلاب الجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي على حكومة
الإخوان المسلمين بعد سلسلة مظاهرات معارضة طالبت بتنحي مرسي عن السلطة.
هنا .. أصبح الوقت مواتياً
لكي تقوم السعودية بتصفية حساباتها مع جماعة الإخوان في الداخل السعودي، فأعلنت في
مارس من عام 2014 م عن قرار تاريخي بإدراج جماعة الإخوان المسلمون ضمن
المنظمات الإرهابية المحظورة داخل المملكة!! و أعتبره تاريخياً لأن الدولة احتضنت
هذه الجماعة منذ الستينات الميلادية وبذكاء الاندماج الذي اتبعته الجماعة
وتخليها عن شعارها الحزبي (وأعدوا) توغلت في نسيج المجتمع السعودي بشعار (الصحوة الإسلامية) الذي يحمل
قيمة دينية مستساغة لدى المؤسسة الدينية ولا يوحي
أيضاً بأي سياق سياسي قد يقلق السلطات السعودية. فأصبح من شبه المستحيل اجتثاث
هذا التنظيم وقد تغلغل في جسد المجتمع السعودي حتى "النخاع"!!
لقد أصبح لهذه الجماعة سطوتها
في الداخل السعودي وهيمنت على جهاز
التعليم والمنابر ومؤسسات التنشئة والعمل الخيري. ونتيجة لهذا العمل المؤسسي المنظم
خلال أربعة عقود لم يجد تنظيم الاخوان صعوبة من اختراق الأوساط الأكاديمية والشرعية
والإقتصادية وتكوين طبقة من الكتاب والمثقفين واحتضان رؤوس الاموال لعباءتها "السيادينية". ولكن إلى أي مدى نجحت
الجماعة بالتوغل في الداخل السعودي؟ ومن هم رموز هذا التنظيم ؟
تداولت بعض الحسابات
المعادية لأمن الوطن في مواقع التواصل الاجتماعي قائمة "إدعت تسربها" لأفراد
"متهمين" بتورطهم في الانتماء للجماعة!! قد تبدوا القائمة للوهلة الأولى
مجرد "أسماء" ولكن العارف بالأوساط الاجتماعية ورموزها يدرك ان القائمة
تحمل في طياتها أسماء بارزة ومعروفة لمشائخ وأكاديميين وتربويين ومثقفين بل يوجد فيهم
رجال أعمال كبار وأعضاء في مجلس الشورى!!
أم كان التسريب مقصوداً بالرغم من حساسة التوقيت ووجود أسماء له ثقل إجتماعي وثقافي واقتصادي كضربة استباقية لفضح هذا وفق معادلة "علي وعلى أعدائي"!!! لا نعلم !! ولكن المؤكد أن الأيام ستبدي ما كنا له جاهلين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق